الخميس، 12 أغسطس 2010

ندوة الحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير (حشد) "الأجور والأسعار"


ندوة الحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير (حشد)

"الأجور والأسعار"

عقدت الحركة الشعبية الديمقراطية للتغيير (حشد) ندوة تحت عنوان "الأسعار والأجور"، يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 9 أغسطس، تحدث خلالها كل من الدكتور عبد الخالق فاروق والمحامي والمناضل العمالي هيثم محمدين.

تحدث الدكتور عبد الخالق فاروق عن أسباب ارتفاع الأجور في ظل توجه الدعم الحكومي لخدمة مصالح الشركات الكبرى والاحتكارية وليس لمحدودي الدخل. انقسم حديث الدكتور فاروق إلى أربعة محاور رئيسية: أولاً، حول مفهوم ارتفاع الأسعار، حيث أكد أن هناك ثلاثة درجات من ارتفاع الأسعار؛ كما أن هناك فوارق اقتصادية بين الارتفاع المحمود (أقل من 3%)، وارتفاع الأسعار المذموم (من 5 إلى 9%)، والتضخم الجامح (أكثر من 9% سنوياً) الذي يؤدي إلى أزمات اقتصادية وسياسية.

ثانياً، حول أساليب قياس ارتفاع الأسعار وأساليب التلاعب الحكومي بها، وأشار إلى أن طبيعة الجهاز أو الجهة القائمة على القياس توفر الفرصة لتلاعب الحكومة بالأسعار. ففي دولة مثل مصر، تقتصر عملية قياس الأسعار على الجهات الحكومية التي يغلب عليها الطابع البيروقراطي، كما أن وسائلها في جمع المعلومات والبيانات ذات طبيعة وظيفية، علاوة على غياب أي عناصر محايدة أو تنظيمات رقابية مشاركة في عملية القياس، مما يؤثر على النتائج المستخلصة.

وأكد الدكتور فاروق على أن أساليب عملية القياس يشوبها العديد من العيوب الفنية؛ فالأوزان النسبية غالباً ما تغفل طبيعة التفاوت الطبقي في المجتمع، وجمع البيانات يتم وفقاً للأسعار الرسمية وليس الواقعية في السوق، علاوة على الانتشار الواسع للأسواق غير الرسمية والطابع الاحتكاري للسوق وتنوع أسواق العمل (حكومي، مشاريع أجنبية، سوق غير منظم، إلخ).

ثالثاً، حول أسباب انفلات الأسعار في مصر، حيث شرح الدكتور عبد الخالق أنه، على الرغم من تنوع تلك الأسباب، إلا أنها جميعاً تتعلق بالانحياز الواضح للدولة في صالح طبقة رجال الأعمال؛ فالفساد وتحالف السلطة والمال، وتشوهات الأسواق، والاحتكار، وتواطؤ الجهاز الحكومي ووقف تفعيل قوانين منع الاحتكار، كلها أسباب انفلات الأسعار في مصر. علاوة على زيادة معدلات السيولة المحلية (التي تشمل المعروض النقدي والودائع الجارية والودائع بالعملات الأجنبية وأشباه النقود) لتصل إلى 950 مليار جنيه في 2009/2010.

أما رابعاً، فقد انتقل الدكتور عبد الخالق فاروق إلى الحديث عن التوازن بين الأسعار والأجور، وأشار إلى أن وسائل ضبط الأسعار تتمثل في: الدعم وشبكات الأمان الاجتماعي ومجانية بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل التعليم والصحة. أما أدوات حفظ التوازن الاجتماعي فهي النقابات المستقلة عن الدولة ووضع نظام عادل للأجور، وغيابهما يؤدي بالتأكيد إلى اختلال التوازن بين الأسعار والأجور.

وفي هذا السياق، ضرب الدكتور عبد الخالق المثل بمسألة الدعم، حيث أشار أن الحكومة تجري عملية تلاعب حقيقية بالدعم فيما أسماه "احتيال سياسي وتحايل محاسبي. فبالرغم من زيادة الإنفاق على الدعم (من 35,4 مليار جنيه عام 2005/2006، إلى 50 مليار في العام التالي، ثم إلى 91,4 مليار ثم 133,5 مليار جنيه) إلا أن الدعم الحقيقي يتوجه إلى رجال الأعمال وليس إلى مستحقيه من محدودي الدخل. فعلى سبيل المثال، يستهلك 40 مصنع فقط في مصر 55% من دعم الغاز و61% من دعم الكهرباء، وهذا يدلل على أن الدعم الضمني للطاقة يكون من نصيب رجال الأعمال.

وفي النهاية أشار عبد الخالق فاروق إلى أنه يجب الضغط على الحكومة من أجل نظام عادل ومتوازن للأجور، ولتفكيك التنظيم النقابي الراهن وإنشاء نقابات مستقلة، وربط الأجر بالمتغيرات السنوية في الأسعار، وإدخال ممثلي الجامعات والمستهلكين وجمعياتهم المستقلة والأكاديميين المحايدين في جهاز استخلاص نتائج الأسعار والتضخم. كما ينبغي الضغط لتفعيل آليات ضبط الأسواق والأجهزة الرقابية.

أما المحامي والمناضل العمالي هيثم محمدين، فقد تحدث عن حملة الحد الأدنى للأجور، حيث تعرض بالإجابة لعدد من الأسئلة الرئيسية: ما هي الفئات المعنية بالحد الأدنى للأجور، ومن يستطيع التحرك على هذا المطلب، وهل مطلب الحد الأدنى يمكن تحقيقه فعلاً؟!

في البداية عرض هيثم محمدين تطورات الحركة العمالية في مصر منذ إنطلاق إضراب المحلة في ديسمبر 2006 وحتى الآن، باعتبارها أطول وأكبر موجة احتجاجية في مصر منذ أربعينات القرن الماضي. وأوضح أن أغلبية الاحتجاجات العمالية كانت تحركات خاصة برفع الأجور وبالأخص الأجور المتغيرة التي تعد عصب أجر العامل في مصر.

وعلى عكس ما تشيعه الحكومة المصرية والدعاية الخاصة بها في أن رفع الأجور يترتب عليه زيادة في الأسعار، أوضح محمدين أن إيرادات الدولة تمكنها بالفعل من رفع الأجور دون رفع في الأسعار، وقد ضرب المثل بإيرادات العام 2010/2011 حيث حصيلة الممتلكات العامة وحصيلة بيع القطاع العام (280,7 مليار جنيه) والضرائب غير المباشرة مثل ضريبة المبيعات (77,8 مليار) والضرائب على الدخول (88 مليار) والضرائب على الأرباح (69 مليار).

وانتقل هيثم محمدين إلى الحديث عن معدل الإعالة موضحاً أنها تُقدر في مصر بـ 3,5 فرد، علماً بأن هناك 5 مليون و300 ألف موظف يعمل لدى الدولة، بجانب القطاع الأعمال العام الذي يعمل به 782,500 عامل، أي أن ما يُقدر بـ 27% من السكان يتقاضون أجورهم من الدولة. أما القطاع الخاص فيعمل به 15 مليون عامل، وتستطيع الدولة إلزام رجال الأعمال بدفع حد أدنى للأجور للعاملين لديهم. هذا فضلاً عن الأغلبية من المهمشين والعمال بالموسمية والمياومة والعمال الزراعيين والعمالة غير المستقرة.

أما عن تاريخ الحد الأدنى للأجور في مصر، فالمرة الأولى في وضع هذا الحد كانت في عام 1952، حيث قُدر بـ 18 قرش يومياً للعامل الزراعي، وكان ذلك كافياً لشراء كيلو ونصف لحمة في الريف أو 1,2 كيلو في المدن في اليوم الواحد، أي 43 كيلو لحمة في الشهر، أي ما يعادل 1700 جنيه كأقل أجر. أما في عام 1978، وصل الحد الأدنى إلى 16 جنيه في الشهر كأجر أساسي، وهو ما كان كافياً لشراء 320 كيلو أرز، ما يعادل 1000 جنيه في الوقت الحالي. وفي عام 1984 ارتفع إلى 35 جنيه شهرياً، ولم يتغير إلى الآن.

وقد ألزم قانون العمل الموحد رقم 12 لعام 2003 المجلس القومي للأجور بوضع حد أدنى للأجور بوضع حد أدنى يتغير دورياً بحسب الارتفاع في الأسعار، الأمر الذي لم يتم تنفيذه منذ وضع القانون إلى الآن.

بعد ذلك تحدث هيثم محمدين حول المصادر التي يمكن للدولة توفير الحد الأدنى للأجور منها، وتشمل متأخرات الضرائب التي يتم إسقاطها من على رجال الأعمال، والضرائب على الأرباح، ودعم الطاقة الذي يتوجه لرجال الأعمال والذي قد يوفر، عند إيقافه، حوالي 20 مليار جنيه سنوياً، علاوة على تصدير الغاز بخُمس السعر العالمي للكيان الصهيوني واسبانيا والأردن، والذي قد يوفر هو الآخر، عند إيقافه، حوالي 15 مليار جنيه، علماً بأن دخل الفرد في اسبانيا يُقدر بـ 15 ضعف، وفي الكيان الصهيوني بـ 11 ضغف نظيره المصري، مع ثبات الأجر الأساسي بالرغم من ارتفاع انتاجية العامل المصري وارتفاع عدد ساعات العمل.

أشار محمدين أيضاً إلى أن معركة الحد الأدنى للأجور تمثل نضالاً طويل الأمد لكل العاملين بأجر في مصر، كما أن العمال في الكثير من المعارك قد رفعوا بالفعل شعار الحد الأدنى للأجور كمطلب أساسي لهم، مثلما حدث في فبراير 2008 عندما تظاهر 10 آلاف عامل بالممحلة الكبرى مطالبين بزيادة الأجور إلى 1200 جنيه شهرياً لكل العاملين بمصر، وكما رفعه عمال النقل العام وعمال مجمع الألمونيوم بنجع حمادي. كما أن نال العمال من أجل مطالبهم الاقتصادية الفئوية لا ينفصل عن النضال الطويل من أجل الحد الأدني للأجور.

في النهاية أشار هيثم محمدين إلى أن معركة الحد الأدنى للأجور تعد في قلب معادلة التغيير في مصر؛ فالنظام المصري يتبنى سياسات الخصخصة ورفع الدعم ويعمل على ثبات وتقليص الأجور، كما يُصدر الغاز لإسرائيل بخُمس ثمنه العالمي، ويحتمي من غضب الجماهير خلف قانون الطوارئ وديكتاتورية مبارك، ولذلك فلا خوض لمعركة التغيير الديمقراطي دون نضال من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي القلب منها معركة الحد الأدنى للأجور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق